2011-07-25

الآثار العراقية المسروقة أمانات في أعناق متاحف العالم













لم يتعرض تراث ثقافي وحضاري للخراب والدمار كما تعرض التراث الثقافي العراقي، فالدبابات الأميركية التي غضّت البصر عن عمليات النهب المنظم الذي طاول كنوز وآثار المتحف العراقي بعد احتلال العراق في 9 نيسان (ابريل) 2003 فتحت الأبواب على مصاريعها أمام العصابات المنظمة ولصوص الآثار المتمرسة لنهب موجودات المواقع الأثرية التي زاد عددها على 49 موقعاً، وفق احصاءات وزارة السياحة والآثار، تاركة إياها عرضة للسلب والنهب، وصيداً ثميناً وسهلاً لـ «اللصوص» .
ومثلما تعرضت المواقع الآثارية لعمليات تدمير ونهب منظمة، كان المتحف العراقي اول من طاولته ايادي العابثين، وعلى رغم انه ليس المكان الوحيد الذي تعرض للنهب إلا أنه يتقدم على سواه باعتباره المؤسسة المتحفية الاعظم والأهم في العراق ويحوي آثاراً وكنوزاً تغطي قرابة سبعة آلاف عام من الحضارة خصوصاً الفترة الممتدة بين عام 5000 قبل الميلاد و1800 بعد الميلاد وتشمل قطعاً مصنوعة من الحجر والمعدن والعظام والعاج والنسيج والورق والزجاج والخشب بينها كنوز الملوك والامراء من الذهب الخالص والاختام الاسطوانية والمنبسطة وقلائد الأحجار النفيسة، وما الى ذلك.
دوني جورج، الرئيس السابق للهيئة العامة للآثار والتراث في وزارة السياحة والآثار كشف ان عدد القطع المسروقة من المتحف وصل الى 15 الف قطعة بينها تمثال سومري للملك «انتمينا» وقطعة عاجية وقاعدة شمعدان تعودان للملك نمرود، فيما اعيدت 4000 قطعة من طريق الانتربول ودول الجوار بينها رأس الفتاة السومرية وتمثال (باسط كي) والإناء النذري وتمثال آشور ناصربال، مبيناً ان جميع القطع التي اعيدت تم ايداعها لدى الدول التي ضبطت على اراضيها كأمانات لحين استقرار الوضع الامني في البلاد. وأكد جورج تعاون جهات امنية وثقافية في اعادة الآثار المسروقة بينها الانتربول الدولي ومنظمة اليونسكو التي اكد أنها ساهمت في استرداد عدد كبير من القطع الآثارية بعد ان جرى ضبطها في مزادات عالمية في باريس ونيويورك وروما وعواصم اوروبية اخرى .
ولفت الى وجود اتصالات مكثفة مع دول الجوار ومنظمة اليونسكو والمطارات والنقاط الحدودية ومنظمة (الايكوم) المتخصصة في امور المناطق العالمية لاحتجاز القطع الأثرية العراقية عند ظهورها في تلك البلدان، مشيراً الى قيام منظمة الايكوم باصدار منشور خاص بالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والتراث يحمل اسم (القائمة الحمراء) ويحوي نماذج من الآثار العراقية المسروقة ليستعين بها ضباط الجمارك والحدود في العالم للتعرف على الآثار العراقية المسروقة التي تمر عبر بلدانهم .
ويؤكد د. جابر الجابري، وكيل وزير الثقافة العراقي، العثور على مئات القطع العراقية في بلدان مجاورة واخرى اوروبية ويقول ان الولايات المتحدة ابلغت عن وجود اكثر من الف قطعة على اراضيها، فيما ابلغت فرنسا عن 500 قطعة وسويسرا عن 157 قطعة وايطاليا عن 150 قطعة والاردن عن 780 قطعة، مبيناً ان جميع هذه القطع الأثرية تم ايداعها في هذه الدول كأمانات .
وتشير الاحصاءات الرسمية لوزارة الثقافة والاعلام العراقية عام 2002 الى ان المتحف العراقي يضم 170 الف قطعة أثرية يعود بعض منها الى ما بين 3000 و2500 عام قبل الميلاد، فيما يعود تاريخ المتحف العراقي الى عام 1926، وهو من اقدم المتاحف في المنطقة، إذ ولد في مرحلة ازدهر فيها التنقيب عن الآثار وكان تحت ادارة المستشارة البريطانية بيل، سكرتيرة الحاكم المدني في العراق، وبعد وفاتها نهاية عام 1926 اشرف على العمل بدلاً منها، ر.س كوك بين عامي 1926 و 1929، ثم جليوس جوردن بين عامي 1931 و 1934 تلاهما ساطع الحصري بين عامي 1934 و 1941.
وفي عام 1966 انتقل المتحف من موقعه الاصلي شرق نهر دجلة الى بناية جديدة في منطقة الكرخ، وعلى رغم افتتاحه طوال سنوات الحرب بين العراق وايران الا ان الحكومة العراقية السابقة اتخذت قراراً بإغلاقه بعد عام 1990 عندما تعرضت بعض البنايات المقابلة له للقصف ما ادى الى تكسر بعض التحف في المعرض الأمر الذي دفع الجهات المشرفة عليه آنذاك الى نقل المئات من القطع الأثرية والتحف المهمة الى طابق تحت الارض، لكن ارتفاع منسوب المياه الجوفية كان سبباً في وقوع اضرار بالغة .
واعيد افتتاحه في عام 2000 ثم اغلق قبل بداية الحرب الاميركية على العراق، وبعد دخول القوات الاميركية الى العراق، لم تقتصر عمليات التخريب والنهب على المتحف وحده، وانما امتدت لتطاول المواقع الأثرية في مختلف ارجاء العراق والتي وصل عددها الى 12 الف وخمسمئة موقع وفق المسوح الأثرية التي اجرتها لجان الآثار في البلاد عام  2004.
ويؤكد خبراء الآثار العراقيون ان العمليات التخريبية التي تتعرض لها المواقع الأثرية تسببت في ضياع شواهد كبيرة على الكثير من الحضارات القديمة التي نشأت في بلاد الرافدين لاسيما في محافظات الجنوب التي غالباً ما تتعرض للنبش والتخريب من جماعات منظمة وغير منظمة امتهنت بيع الآثار بعد التنقيب عنها في المواقع الأثرية التي غادرها حراسها بسبب سوء الوضع الامني في البلاد .
وتشهد مدن الناصرية والديوانية عمليات نهب متواصل لمواقعها الأثرية. وعلى رغم تأكيدات وزارة السياحة والآثار نبأ توزيع 1500 حارس مزودين بالسيارات والأسلحة وأجهزة الاتصال الحديثة على اكثر من 70 موقعاً أثرياً في جنوب البلاد إلا ان هذا العدد لا يبدو كافياً لحماية تلك المواقع بسبب سوء الوضع الامني وبعد المواقع الأثرية عن مراكز المدن ما دفع الكثيرين من الحراس الى مغادرة المواقع وتركها عرضة للنهب والسلب من جانب العصابات الصغيرة التي امتهنت تهريب الآثار عبر المنافذ الحدودية في الجنوب الى ايران ودول شرق آسيا ودول الخليج .
ويؤكد سكان القرى القريبون من موقع مدينة نيبور الأثري (200 كلم جنوب شرقي بغداد) والتي شهدت حضارات يمتد تاريخها الى 5000 عام قبل الميلاد، وان مدينتهم تموت في النهار وتحيا في الليل حينما ترتادها عصابات التهريب .
وفيما بقي الكثير من المواقع الأثرية عرضة للنهب المنظم تحولت مواقع اخرى الى قواعد عسكرية للقوات الأميركية والمتعددة الجنسية ومنها مدينة بابل (100 كلم جنوب بغداد) وقصر العاشق في سامراء والمئذنة الملوية في المدينة ذاتها، والمواقع التي افلتت من ايدي السارقين والعابثين لم تستطع الافلات من سرف الدبابات الاميركية التي كانت سبباً في تخريب عشرات المواقع باعتراف مسؤولين في الحكومة العراقية وعدد من المنظمات والجمعيات العالمية المتخصصة بالآثار . 

      خلود العامري  

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...