2012-11-25

الأكديون واللغة الأكدية .. الجزء الثالث



خامساً – اللهجات الأكدية :-
من المعروف أن اللغة الأكدية تعرضت إلى العديد من المؤثرات الداخلية والخارجية كما أنها خاضت صراعاً عنيفاً مع عدد من اللغات المحلية ، كاللغة السومرية ، واللغات الأجنبية ، كلغة الأقوام الكشية والخورية والفارسية واليونانية والآرامية وغيرها . ومن البديهي أن تأثرت اللغة الأكدية بهذه المؤثرات وكانت نسبة التأثير ونوعه تختلف من منطقة إلى أخرى ومن فترة زمنية إلى أخرى . ولم يقتصر هذا التأثير على دخول مفردات لغوية جديدة إلى اللغة الأكدية ولكن تعداه إلى الأساليب النحوية وأساليب نطق بعض الأصوات والحركات ونسبة المحافظة على القواعد النحوية واتباع أساليب وقواعد معينة وغير ذلك من التأثيرات . وكان من نتائج ذلك أن أمكن تمييز عدد من اللهجات الأكدية مختلفة عن بعضها البعض في صيغتها المدونة .
1- اللهجة الأكدية القديمة :-
وهي أقدم اللهجات الأكدية المدونة ، وعنها تفرعت جميع اللهجات الأخرى في الفترات الزمنية التالية ، استخدمت اللهجة الأكدية من قبل الأقوام الأكدية نفسها منذ قدومها العراق حتى سلالة أور الثالثة في أواخر اللف الثالث قبل الميلاد . ويمكن التمييز بين لهجة نصوص ما قبل العصر السرجوني ولهجة النصوص التي ترقى بتاريخها إلى الفترة التالية من ذلك حتى نهاية سلالة أور الثالثة . وتظهر على هذه اللهجة التأثيرات السومرية بشكل واضح جداً بل أن النصوص الأكدية من هذه الفترة الزمنية مليئة بمفردات ومصطلحات سومرية . ومنذ أواخر عهد سلالة أور الثالثة ، تبدأ علامات الافتراق عن اللهجات التي استخدمت في القسم الشمالي من العراق أي بلاد بابل واللهجات التي استخدمت في القسم الشمالي من العراق ، أي بلاد آشور بالظهور . وقد عُرفت المجموعة الأولى من اللهجات باللهجات البابلية في حين أطلق على المجموعة الثانية اسم اللهجات الآشورية .
اللهجات البابلية :-
 أ ) البابلية القديمة :-
وهي لهجة بلاد بابل خلال العهد البابلي القديم ، وهي الفترة التي تميزت بتدفق الأقوام الأمورية وسيطرتها على الحكم في العراق وتأسيسها عدد من الدويلات والممالك التي انتهت بتوحيدها في دولة واحدة على رأسها الملك حمورابي . لذلك كانت لهجة هذه الفترة متأثرة باللهجة الأمورية التي لم تستخدم للتدوين . وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن عشرات الألوف من النصوص المسمارية الأكدية المعروفة باللهجة البابلية القديمة منها ما هو غاية في الأهمية ، كقوانين حمورابي وقانون أشنونا ، وبعض النصوص القانونية والأدبية والدينية والاقتصادية والرياضية .
ومن الجدير بالإشارة أن العلماء المختصين يعدون اللهجة البابلية القديمة بمثابة اللهجة الكلاسيكية نظراً لمحافظتها على معظم الصيغ والأشكال النحوية الصحيحة ومنها محافظتها على حركات الإعراب .
ب ) البابلية الوسيطة :-
أطلق الباحثون على لهجة بلاد بابل خلال فترة حكم السلالة الكشية - القرن السادس عشر وحتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد – اسم اللهجة البابلية الوسيطة وقد تضاءل في أواخر هذه الفترة استخدام حركات الإعراب وطرأت عليه بعض التغيرات الجديدة نتيجة استخدامها من قبل الأقوام الكشية الغريبة .
وقد نشطت حركات التأليف والاستنساخ في هذه الفترة ووصل إلينا العديد من النصوص الأدبية المستنسخة عن نصوص أقدم مثل ملحمة جلجامش إلى جانب النصوص الطبية والفلكية والكتابات الخاصة بالتنجيم والمعاجم ، يتضمن بعضها بعض المفردات الكشية وما يقابلها باللغة الأكدية .
ج ) البابلية الحديثة :-
تتمثل اللهجة البابلية الحديثة بالنصوص الأكدية التي ترقى بتاريخها إلى الفترة ما بين ( 1000 ق.م ) وحتى سقوط الدولة الآشورية في حدود ( 600 ق.م ) والمكتشفة في بلاد بابل وتحمل هذه النصوص تأثيرات آرامية واضحة وتتميز بفقدان حركات الإعراب .
د ) البابلية المتأخرة :-
وهي اللهجة التي استخدمت في بلاد بابل خلال العصر البابلي الحديث ( 626 ق.م ) وحتى زوال استخدام اللغة الأكدية في بلاد بابل وآشور في حدود التاريخ الميلادي .
وفي هذه الفترة كانت اللغة الآرامية آخذة بالانتشار كما كان حال الخط الآرامي الأبجدي ذي الرموز القليلة والبسيطة مقارنة مع العلامات المسمارية الكثيرة والمعقدة على الرغم من محاولات كهنة بلاد بابل اليائسة في المحافظة على اللهجة البابلية وتقليد الأساليب القديمة إلا أن اللغة الأكدية كانت في طريقها للزوال .
اللهجة الآشورية :- 
انتشر استخدام اللغة الأكدية في بلاد آشور منذ الألف الثالث قبل الميلاد ، غير أنها تميزت ببعض الخصائص التي اكتسبتها في بلاد آشور نتيجة تعرضها لمؤثرات داخلية وخارجية تختلف عن تلك التي تعرضت لها في بلاد بابل . ويميز الباحثون ثلاث لهجات آشورية رئيسة استخدمت في بلاد آشور في ثلاث مراحل زمنية وهي:-
أ ) الآشورية القديمة :-
وتتمثل هذه اللهجة بنصوص الفترة ( 2000 – 1600 ق.م ) ، وعدد هذه النصوص قليل ومعظمها نصوص ملكية اكتشفت في بلاد آشور الأصلية إضافة إلى الرسائل والوثائق الرسمية الكثيرة المكتشفة في المراكز التجارية الآشورية في منطقة كبدوكيا في آسيا الصغرى . وبديهي أن هناك بعض الاختلافات بين لهجة النصوص المكتشفة في بلاد آشور نفسها وتلك المكتشفة في منطقة كبدوكيا  
ب ) الآشورية الوسيطة :-
وتمثلها النصوص الأكدية التي تعود إلى النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد . ومن هذه النصوص القوانين الآشورية الوسيطة المكتشفة في مدينة آشور والعديد من النصوص القانونية الأخرى وبعض الرسائل والنصوص الأدبية والملكية ومعظم النصوص الأدبية والملكية تحمل تأثيرات بابلية .
ج ) الآشورية الحديثة :- 
لقد وصلت أعداد كبيرة جداً من النصوص المدونة باللهجة الآشورية الحديثة منها ما هو غاية في الأهمية التاريخية ، كالمراسلات الملكية والمعاهدات والاتفاقيات والرسائل الشخصية المكتشفة في العواصم الآشورية ولاسيما مدينة نينوى ونمرود ومنها الوثائق الاقتصادية والقانونية . وفي أواخر هذه الفترة تظهر على اللهجة تأثيرات آرامية قوية جداً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...